كتاب الرأي

*زينب آل لباد… حين يصبح الفن ملاذًا للروح، وتغدو الشجاعة هوية امرأة*

 

 ب قلم / حلا الخالدي

في محطات التحوّل الكبرى التي تمر بها المجتمعات، لا يكون الفن مجرد ممارسة جمالية، بل يتحول إلى لغة إنسانية عميقة، تعبّر عمّا يعجز عنه الكلام، وتمنح الروح مساحة للتنفّس، والتأمل، والبوح. وفي المشهد الثقافي السعودي، حيث تتقاطع الأصالة مع الطموح، تبرز تجربة الفنانة التشكيلية زينب محمد سلمان آل لباد كتجربة إنسانية صادقة، سبقت اللوحة فيها الفكرة، وسبق الإحساس الشكل.

زينب آل لباد لم تدخل عالم الفن من بوابة الترف أو الاستعراض، بل جاءت إليه بوصفه فعل إيمان، ووسيلة للتعبير عن الذات، وعن المرأة، وعن المجتمع. تعاملت مع اللوحة باعتبارها مساحة حياة، لا مجرد سطح للرسم، فجاءت أعمالها محمّلة بالمشاعر، نابضة بالصدق، وقادرة على لمس وجدان المتلقي دون ادعاء أو تكلّف.

في لوحاتها، لا تحضر الألوان كزينة بصرية فقط، بل تتحول إلى حالات شعورية، تهمس أحيانًا، وتبوح أحيانًا أخرى، لكنها في كل الأحوال تعبّر عن إنسان يعيش تجربته بعمق. أما الخط العربي، فيظهر كذاكرة حيّة، كجذر ثقافي يربط الماضي بالحاضر، ويمنح العمل الفني بعدًا هوياتيًا يعكس انتماء الفنانة لثقافتها وبيئتها العربية.

وما يمنح تجربة زينب آل لباد هذا العمق الاستثنائي، هو شجاعتها الهادئة؛ تلك الشجاعة التي لا تبحث عن ضجيج، بل عن أثر. لقد اختارت أن تكون امرأة سعودية فاعلة في مجال الفن التشكيلي، وهي تدرك أن هذا المسار يتطلب صبرًا، وثقة، وإصرارًا مضاعفًا. ومع ذلك، مضت بثبات، حاملة قناعتها بأن الإبداع الحقيقي يولد من الإيمان بالذات، لا من انتظار الاعتراف.

زينب لم تفصل يومًا بين الفن والحياة، بل جعلت من تجربتها الإنسانية مصدر إلهام، ومن التحديات وقودًا للإبداع. ولذلك، فإن أعمالها لا تبدو منفصلة عن الواقع، بل متداخلة معه، تعكس مشاعر الإنسان في ضعفه وقوته، في انكساره ونهوضه، في قلقه وأمله. هذا الصدق الإنساني هو ما يمنح لوحاتها القدرة على البقاء في الذاكرة.

وتتجلى أهمية تجربة زينب آل لباد أيضًا في كونها نموذجًا للمرأة السعودية النشيطة، التي آمنت بدورها الثقافي، ورفضت أن تكون على الهامش. لقد جسّدت في حضورها الفني صورة المرأة التي تعمل بصمت، وتنجز بثبات، وتُراكم أثرها دون ضجيج. امرأة ترى في الفن رسالة، وفي الاستمرار موقفًا، وفي النجاح مسؤولية.

ولا يمكن فصل هذه التجربة عن السياق العام الذي تعيشه المملكة العربية السعودية اليوم، حيث أصبحت الثقافة والفنون جزءًا أصيلًا من مشروع التنمية الوطنية، ورافدًا مهمًا من روافد رؤية السعودية 2030. وفي هذا الإطار، تمثل زينب آل لباد أحد الوجوه النسائية التي عبّرت عن هذا التحول بصدق، وأسهمت فيه بالفعل، لا بالشعارات.

إن الإشادة بزينب آل لباد ليست إشادة باسمٍ فني فحسب، بل إشادة بفكرة أعمق: فكرة أن الفن يمكن أن يكون طريقًا للشفاء، وأن المرأة السعودية قادرة على أن تكون منتجة للمعنى، وصانعة للجمال، وحاضرة بقوة في المشهد الثقافي. هي إشادة بكل امرأة اختارت أن تواجه الحياة بإبداعها، لا بانسحابها، وبحضورها، لا بصمتها.

الخاتمة

تجربة الفنانة التشكيلية زينب محمد سلمان آل لباد تؤكد أن الفن حين يخرج من القلب، يصل إلى القلب. وأن الشجاعة ليست دائمًا صاخبة، بل قد تكون هادئة، عميقة، ومستمرّة. إنها تجربة تُذكّرنا بأن الجمال الحقيقي يولد من الصدق، وأن الإبداع حين يقترن بالإيمان، يتحول إلى أثرٍ باقٍ في الوجدان.

الخلاصة

زينب آل لباد ليست مجرد فنانة تشكيلية، بل حالة إنسانية وثقافية تعبّر عن روح المرأة السعودية النشيطة، القادرة على تحويل التحديات إلى طاقة، والمشاعر إلى فن، والحلم إلى واقع. ومن خلال تجربتها، يتأكد لنا أن الساحة الثقافية السعودية تزخر بأسماء نسائية واعية، شجاعة، ومؤمنة بأن للفن دورًا يتجاوز الجمال… إلى صناعة الوعي والإنسان .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى